المصدر: جيويش إكسپوندت
ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
يعدّ تهديد وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، مؤخرًا بإغلاق مكتب "المنسق الأمني الأمريكي" في القدس (USSC) خطوةً متهورةً، تُعرّض الأمن "الإسرائيلي" والفلسطيني للخطر؛ فما قد يبدو ظاهريًا بادرةً رمزيةً أو لخفض التكاليف، سيساعد عمليًا في تفكيك إحدى آليات التعاون القليلة العاملة بين الجانبين اللذين ينزلقان نحو حالة من عدم الاستقرار الجامح.
لقد تأسس مكتب "المنسق الأمني الأمريكي" عام 2005 عقب الانتفاضة الثانية، وكان مُصمّمًا ليكون منسقًا استراتيجيًا هادئًا لكنه بالغ الأهمية؛ حيث يُساعد في إضفاء الطابع المهني على قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية مع بناء قنوات تعاون مع الجيش "الإسرائيلي". ولم يكن القصد منه أبدًا أن يكون عمليةً لافتةً للانتباه، ولم يكن يومًا عنصرًا محوريًا في جهود السلام، بل كان بمثابة قوة فاعلة هادئة في تدريب آلاف من أفراد الأمن الفلسطينيين، والمساعدة في منع الهجمات الإرهابية، والحفاظ على قنوات اتصال خلفية مفتوحة بين الجانبين اللذين غالبًا ما يرفضان التحدث بصورة مباشرة.
وإذا نفذت إدارة "ترامب" تهديدها بإغلاق هذا المكتب، فإنها بذلك تتخلص من أداة مهمة من أدوات النفوذ الأمريكي في الصراع "الإسرائيلي" الفلسطيني، والأهم من ذلك أنها ستخلق فراغًا خطيرًا. ونتيجة لذلك، فإن أي أموال سيتم توفيرها من خلال إغلاق المكتب ستنتج عنها تكلفة عالية من الدماء وعدم الاستقرار وفقدان النفوذ.
وقد تناوب على قيادة (USSC) فريق من كبار الضباط العسكريين الأمريكيين، عادةً على مستوى الجنرالات من فئة الثلاث نجوم، مع إمكانية الوصول المباشر إلى القيادة "الإسرائيلية" والفلسطينية، وقد أكسبه حياده واحترافه ثقة نادرة من كلا الجانبين. كما أشاد المسؤولون "الإسرائيليون"، بمن فيهم قادة الدفاع والاستخبارات، مرارًا وتكرارًا بدور المكتب في تسهيل التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، وهو التنسيق الذي كثيرًا ما أحبط هجمات قبل وقوعها ونزع فتيل أزمات قبل تصعيدها.
إضافةً لذلك، ورغم تراجع الإرادة السياسية لمسار حل الدولتين، فقد صمد التعاون الأمني الذي تم التوصل إليه عبر المكتب، بل وأبقى، من نواحٍ عديدة، على احتمالات الدبلوماسية المستقبلية. ورغم ضعف الشرعية السياسية للسلطة الفلسطينية، لا تزال قواتها الأمنية، المُدربة تحت إشراف المكتب، تعمل كحاجزٍ ضد الفوضى والتطرف. وبالتالي، فإن إلغاء دعم المكتب سيُضعف هذه القوات فعليًا، ويُشجع الفصائل الأكثر تطرفًا، ويُسرّع من تراجع السلطة الفلسطينية.
من جانبهم، يُصوّر منتقدو المكتب أنه من مخلفات عملية سلام فاشلة أو بيروقراطية لا داعي لها وأنها شارفت على الزوال، لكن هذه النظرة تُسيء فهم الغرض من المكتب؛ فهو ليس مُفاوض سلام بل مانع للأزمات، ويُقاس نجاحه بالعنف الذي لا يندلع، وبالهجمات التي لا تحدث، وبالحفاظ الهادئ على الوضع الراهن الهش الذي لا يزال قائمًا، بطريقة ما.
والخلاصة، أن مكتب "المنسق الأمني الأمريكي" كان قصة نجاح غير مُعلنة في مشهدٍ قاتم، وإغلاقه الآن لن يُخِلّ بهذا الإرث من النجاح فحسب، بل سيُؤدِّي أيضًا إلى فوضى جديدة. وعليه، فإننا نحثُّ الإدارة على مضاعفة جهودها لدعم نجاح المكتب، بدلًا من أن تُهمله لمجرد تحقيق مكاسب سياسية.